وصل صديقي إلى قاعة الاجتماع، وهو غاضب، كان ذلك واضحاً في وجهه، وامتد تأثير هذا الغضب إلى صوته، الذي بدا حاداً، وهو يسرد ملاحظاته على فريق العمل، وكأنه في قلب معركة!
منحته ساعة بعد الاجتماع ليهدأ، ليسترد هيئته القديمة، ثم ذهبت إلى مكتبه، وسألته مباشرة: «ماذا بك؟!.. من أفسد مزاجك؟!»، فأجابني: «قبل أيام، كتبت تغريدة في موقع (تويتر) تعليقاً على حادثة رياضية، فردّ عليها - شخص لا أعرفه - بكلام بذيء، وعنصري»، ثم ختمها بقوله: «عليك وعلى والدك اللعنة»، تقدمت وقتها بشكوى رسمية ضده، واليوم اكتشفت أنه طفل لم يتجاوز عمره الـ 11 عاماً، وما أزعجني هو اتصال والده الذي كان يطلب مني أن أتنازل عن الشكوى، بحجة أنه صغير، ولا عقل له!.. فقلت له: إذا كان صغيراً، لماذا أعطيته هاتفاً نقالاً، وسمحت له بأن يسجل في الموقع، ويغرد بهذه الإساءات والشتائم؟ وإذا كان هو بلا عقل، أين عقلك أنت؟ لماذا لم تراقبه؟ لماذا لم تشرح له أن البذاءة عيب، وأن اللعن حرام، وأن كرامة الناس ليست جزءاً من تسليته؟ لماذا لم تُحسن تربيته؟!».
سألته: «هل ستتنازل؟!»، فقال لي: «لا طبعاً، حتى يتعلم الطفل درساً في الأخلاق، ويتعلم والده درساً في التربية»!
انتهت القصة المزعجة بتنازل صديقي عن حقه، مقابل أن يدفع والد الطفل مبلغاً مالياً، وهو ما فسره لي بقوله: «أنقذنا الطفل من العقوبة، لكننا عاقبنا والده بدفع المال، ليفهم أن سوء التربية ثمنه باهظ جداً، وخسارته مُضرّة».
مهاجم كريستال بالاس الإنجليزي، ويلفريد زاها، أرهقته رسالة عنصرية قرأها في قسم الرسائل الخاصة في حسابه على موقع «تويتر»، بعثها أحد مشجعي فريق أستون فيلا، قبل أيام من المواجهة بين الفريقين، وجاء فيها: «من الأفضل ألا تسجل أيها الأسود، أو سأحضر إلى منزلك مرتدياً زي شبح».
نشر ويلفريد صورة من الرسالة «القبيحة»، وكتب معلقاً: «لا يكفي أن نشعر بالاشمئزاز إزاء هذه الرسائل، ثم نمضي قدماً، وكأنها لم تكن».
وبعد أيام، قبضت الشرطة البريطانية على كاتب الرسالة، وكان طفلاً في الـ 12 من عمره، وأصدرت بياناً قالت فيه: «لن يتم التسامح مع العنصرية»!
التأثير المُريع لهذه الوقاحة والقباحة، أجبر زاها على إزالة تطبيق «تويتر» من هاتفه؛ لأن «سيل الانتهاكات العنصرية أصبح لا يطاق، لا أستطيع الاستمتاع بملفي الشخصي؛ لأني خائف حتى من النظر في رسائلي المباشرة بعد الآن.. يمكن أن تكون مليئة بأي شيء، لا يكفي فقط أن نقول لا للعنصرية، نحن بحاجة إلى العمل والتوعية، نحتاج إلى التعليم والتربية، الأشياء يجب أن تتغير».
وقبل أن يُكشف المرسل المعتدي، ويتضح للكل أنه مجرد طفل، وصف بعض الإعلاميين الإنجليز ومسؤولون في كرة القدم الرسالة بـ «الجبانة والخسيسة»، وأن كاتبها «حقير»، ويجب أن يُقبض عليه، وأن يُحاسب، ويدفع ثمن تصرفاته، وأنه لا يوجد عذر، لا يوجد عذر على الإطلاق»!
من الذي يلوث أخلاق الأطفال، ويدرب ألسنتهم على الكلام البذيء؟ أين يتعلمون هذه الدَمامة والبشاعة والاعتداء الأثيم؟!..
إذا أردنا الحصول على إجابة دقيقة، فعلينا أن نفتش عنها في البيوت، كل شيء يبدأ وينتهي هناك.
إن لم تستطيعوا أن تقولوا لأولادكم هذا عيب، وهذا خطأ، وهذا حرام، وهذا مخزٍ، على الأقل قولوا لهم: «هذا غير قانوني، وقد يكون سبباً في دخولكم إلى السجن»..
ربوا أولادكم قبل أن يربيهم القانون، بدلاً عنكم!.